ع
عضو محذوف 964
كتاب تلخيص صحيح مسلم
هذا الكتاب من أبرز مختصرات (صحيح مسلم) حيث قام أبو العباس القرطبي فيه :- باختصار الأسانيد والاكتفاء بذكر الصحابي وأحياناً التابعي.
- وأوجز مقدمة الإمام مسلم لصحيحه .
- ثم حذف المكرّر من الأحاديث وذكرها في موضع واحد حسب موضوعها.
- وترجمة الأبواب بعناوين مناسبة .
- واختيار متن الحديث وفق أتمّ الروايات وأكملها, ثم إيراد بعض الروايات إن كان فيها زيادة .

مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم للمؤلف
قال الشَّيخُ الفقيه الإمامُ العالمُ المُحدِّث، أبو العبَّاس (أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (٥٧٨ - ٦٥٦ هـ) ابنُ الشَّيخِ الفَقيهِ أبي حَفصٍ عُمَرَ، الأنصاريُّ القُرطُبيُّ- رحمه الله :
الحمدُ لله بمَجامِع مَحامِده التي لا يُبلَغُ مُنتَهاها ،والشُّكرُ له على آلائِهِ، وإن لم يَكُن أحدٌ أحصاها.
وأشهدُ أن لا إله إلَاّ الله وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهادَةَ مُحَقِّقٍ أصُولِهَا مُحيطٍ بِمَعنَاهَا، وَأَشهَدُ أنَّ محمَّدًا رَسُولٌ، حَلَّ مِن رُبَا النبوَّةِ أَعلَاهَا فَعَلَاهَا، وَحَمَلَ مِن أَعبَاءِ الرِّسَالَة إِدَّهَا، فَاضطلَعَ بِهَا وَأَدَّاهَا، فجلا اللهُ بِهِ عن البصائرِ رَينَهَا، وعن الأبصارِ عَشَاهَا،
صَلَّى اللهُ عليه من الصلواتِ أفضَلَهَا وأزكَاهَا، وأبلَغَهُ عنَّا من التحياتِ أكمَلَهَا وأَولَاهَا، ورَضِيَ اللهُ عن عِترَتِهِ وأزواجِهِ وصحابتِهِ ما سَفَرَت شمسٌ عن ضُحَاهَا، وبعدُ :
فلمَّا قَضَت نتائِجُ العُقول، وأدلَّةُ الشَّرعِ المَنقُول ، أن سَعادَةَ الدَّارَينِ مَنُوطَةٌ بمُتابَعَةِ هذا الرَّسول، وأنَّ المحبةَ الحَقيقِيَّةَ باقتِفاءِ سَبيلِهِ وَاجِبَةُ الحُصُول {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] انتَهَضَت هِمَمُ أعلامِ العُلَماء، والسَّادَةُ الفُضلاء، إلى البَحثِ عَن آثارِه: أقوالِهِ وأفعالِهِ وإِقرارِه، فحَصَّلُوا ذَلِك ضَبطًا وحِفظًا، وبلَّغُوهُ إلى غَيرِهِم مُشافَهَةً ونَقلاً.
ومَيَّزوا صَحيحَهُ مِن سَقيمِه ومُعوَجَّهُ مِن مُستَقيمِه، إلى أن انتَهى ذلك إلى إمَامَي عُلَماءِ الصَّحيح، المُبَرِّزَينِ في عِلمِ التَّعديلِ والتَّجريح: أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل الجُعفيِّ البُخاريّ وأبي الحُسَين مُسلِم بن الحجَّاج القُشَيريِّ النَّيسابُوريّ،
فجَمَعَا كِتابَيهِما عَلَى شَرطِ الصِّحَّة وبَذَلا جُهدَهُما في تَبرِئَتِهِما مِن كُلِّ عِلَّة، فتمَّ لهُما المُرادُ، وانعَقَدَ الإجماعُ على تَلقِيبِهِما باسمِ الصَّحيحَين أَو كاد، فجَازاهُما الله عَنِ الإسلامِ أَفضَلَ الجَزاء، وَوَفَّاهُما مِن أَجرِ مَنِ انتَفَعَ بِكِتابَيهِما أَفضَلَ الإجزَاء،
غَيرَ أنه قد ظَهَرَ لكثيرٍ من أئمَّة النقلِ، وَجَهَابِذَةِ النَّقد: أنَّ لمسلمٍ ولكتابهِ من المَزِيَّة؛ ما يُوجِبُ لهما أَولَوِيَّة؛ فَقَد حَكَى القَاضِي أَبُو الفَضل عِيَاضٌ الإِجماعَ عَلَى إمامتِهِ وتقديمِهِ، وصِحَّةِ حديثِهِ، وتمَيزِهِ، وثقتِهِ، وقَبُولِ كِتَابِهِ. وكان أَبُو زُرعَةَ وأبُو حَاتِمٍ يُقَدِّمانِهِ في الحديثِ على مشايِخِ عَصرِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحسَنُ بنُ عَلِيٍّ النَّيسَابُورِيُّ: مَا تَحتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَصَحُّ مِن كِتَابِ مُسلِمٍ.
وقَالَ أَبُو مَروانَ الطّيبيُّ: كان من شُيوخِي من يفضِّل كتابَ مُسلِمٍ عَلَى كِتَابِ البُخَارِيِّ.
وَقَالَ مسلم بنُ قَاسِمٍ فِي تَارِيخِهِ: مُسلِمٌ جَلِيلُ القَدرِ، ثِقَةٌ، مِن أَئِمَّةِ المُحَدِّثِينَ، وَذَكَرَ كِتَابَهُ فِي الصَّحِيحِ، فقَالَ: لَم يَضَع أَحَدٌ مِثلَهُ،
وَقَالَ أَبُو حَامِدِ بنُ الشَّرقِيِّ: سَمِعتُ مُسلِمًا يَقُولُ: مَا وَضَعتُ شَيئًا فِي هَذَا المُسنَدِ إِلَاّ بِحُجَّةٍ، وَمَا أَسقَطتُ مِنهُ إِلَاّ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَ ابنُ سُفيَانَ: قَالَ مُسلِمٌ: لَيسَ كُلُّ الصَحِيحٍ وَضَعتُ هُنَا، إِنَّمَا وَضَعتُ مَا أَجمَعُوا عَلَيهِ.
وقَالَ مُسلِمٌ: لَو أَنَّ أَهلَ الحَدِيثِ يَكتُبُونَ الحَدِيثَ مِائَتَي سَنَةٍ، فَمَدَارُهُم عَلَى هَذَا المُسنَدِ، وَلَقَد عَرَضتُ كِتَابِي هذَا عَلَى أَبِي زُرعَةَ الرَّازِيِّ؛ فَكُلَّ مَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ لَهُ عِلَّةً تَرَكتُهُ، وَمَا قَالَ: هُوَ صَحِيحٌ لَيسَ لَهُ عِلَّةٌ أَخرَجَتهُ.
هَذَا مَعَ أَنَّ الكِتَابَ أَحسَنُ الأَحَادِيثِ مَسَاقًا، وَأَكمَلُ سِيَاقًا، وَأَقَلّ تَكرَارًا، وَأَتقَنُ اعتِبَارًا، وَأَيسَرُ لِلحِفظِ، وَأَسرَعُ لِلضّبطِ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ صَدرًا مِن عِلمِ الحَدِيث، وَمَيَّزَ طبَقَاتِ المُحَدِّثِينَ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيث.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الكِتَابُ بِهَذِهِ الصِّفَة، وَمُصَنِّفُهُ بِهَذِهِ الحَالَة، ينبغِيَ أَن يَخُصَّ بِفَضلِ عِنَايَة؛ مِن تَصحِيحٍ وَضَبطٍ وَرِوَايَة؛ وَحِفظٍ وَتَفَقُّهٍ وَدِرَايَة.
إِذِ الاعتِنَاءُ بِحَدِيثِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يُشَرِّفُ الأَقدَار؛ وَيُنهِضُ الحُجَّةَ وَيُسَدِّدُ الاعتِبَار؛ وينفع البَصَائِرَ، وَيَفتَحُ الأَبصَار؛ وَيُمَيِّزُ عَنِ الجَهلَةِ، ويُلحِقُ بِالأَئِمَّةِ الأَبرَار، وَيُدخِلُ الجَنَّةَ وَيُنجِي مِنَ النَّار وَقَد أَعَانَ الكَرِيمُ الوَهَّابُ عَلَى الاعتِنَاءِ بِهَذَا الكِتَاب، فَتَلَقَّيتُهُ رِوَايَةً وَتَقيِيدًا عَن جَمَاعَةٍ مِن أَعلَامِ العُلَمَاء؛ وثَافَنتُ (أي جالست) فِي التَّفَقُّهِ فِيهِ بَعضَ سَادَاتِ الفُقَهَاء.
فَممن رَوَيتُ عَنهُ:
الشَّيخُ الفَقِيهُ القَاضِي المُحَدِّثُ الثِّقَةُ الثَّبتُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابنُ الشَّيخِ الزّاهِدِ الفَاضِلِ، المُحَدِّثِ المُقِيدِ؛ أَبِي عبد الله مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَفصٍ اليَحصِبِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيهِ، وَهُوَ يُمسِكُ أَصلَهُ نَحوَ المَرَّتَينِ، فِي مُدَّةٍ آخِرُهَا شَعبَانُ سَنَةَ سَبعٍ وَسِتُّمَائَةٍ.
وَالشَّيخُ الفَقِيهُ القَاضِي الأعدَلُ، العَلَمُ الأَعلَمُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الله بنُ سُلَيمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ حَوطِ الله، قِرَاءَةً عَلَيهِ، وَسَمَاعًا لِكَثِيرٍ مِنهُ، وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ، وَذَلِكَ بِقُرطُبَةَ فِي مُدَّةٍ آخِرُهَا مَا تَقَدَّمَ:
قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا الشَّيخُ الإِمَامُ الحَافِظُ، أَبُو القَاسِمِ خَلَفُ بنُ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَسعُودِ بنِ بَشكُوَالَ، قِرَاءَةً عَلَيهِ، عَن أَبِي بَحرٍ بن سُفيَانَ بنِ القَاضِي، سَمَاعًا لِجَميعِهِ إِلَاّ وَرَقَاتٍ مِن آخِرِها أَجَازَهَا لَهُ، عَن أَبِي العَبَّاسِ العُذرِيِّ، قِرَاءَةً غَيرَ مَرَّةٍ، عَن أَبِي العَبَّاسِ بنِ بُندَارَ الرَّازِيِّ، سَمَاعًا بِمَكَّةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحمَدَ بنُ عَمرُوَيه بن الجُلُودِيُّ، عَن إِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُفيَانَ، عَن أَبِي الحُسَينِ مُسلِمٍ رحمهم الله.
وَقَد رُوِّيتُهُ عَن غَيرِ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ الأَعلَامِ، قِرَاءَةً وَإِجَازَةً بِمِصرَ وَغَيرِهَا، عَنِ الشَّيخِ الشَّرِيفِ أَبِي المَفَاخِرِ سَعِيدِ بنِ الحُسَينِ المَأمُونِيِّ الهَاشِمِيِّ سَمَاعًا، عَنِ الشَّيخِ الإِمَامِ أَبِي عبد الله مُحَمَّدِ بنِ الفَضلِ بنِ أَحمَدَ الصَّاعِدِيِّ الفَرَاوِيِّ، سَمَاعًا، عَنِ الشَّيخِ أَبِي الحُسَينِ عَبدِ الغَافِرِ الفَارِسِيِّ، سَمَاعًا، عَن أَبِي أَحمَدَ؛ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَد رُوِّيتُهُ عَن جَمَاعَةٍ كَثِيرَة؛ بِأَسَانِيدَ عَدِيدَة، وَفِيمَا ذَكَرنَاهُ كِفَايَة، وَالله المُوَفِّقُ لِلهِدَايَة.
وَلَمَّا تَقَاصَرَتِ الهِمَمُ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَن بُلُوغِ الغَايَات؛ مِن حِفظِ جَمِيعِ هَذَا الكِتَابِ؛ بِمَا اشتَمَلَ عَلَيهِ مِنَ الأَسَانِيدِ وَالرِّوَايَات، أَشَارَ مَن إِشَارَتُهُ غُنم؛ وَطَاعَتُهُ حَتم إِلَى تَقرِيبِهِ عَلَى المُتَحَفِّظ؛ وَتَيسِيرِهِ عَلَى المُتَفَقِّه؛ بِأَن نختَصَرَ أَسَانِيدُهُ، وَنحذَفَ تَكرَارُه، وَنُنَبَّه عَلَى مَا تَضَمَّنَتهُ أَحَادِيثُهُ بِتَرَاجِمَ تُسفِرُ عَن مَعنَاهَا، وَتَدُلُّ الطَّالِبَ عَلَى مَوضِعِهَا وَفَحوَاهَا ،
فَاستَعَنتُ بِالله تَعَالَى، وَبَادَرتُ إِلَى مُقتَضَى الإِشَارَة؛ بَعدَ أَن قَدَّمتُ فِي ذَلِكَ دُعَاءَ النَّفعِ بِهِ وَالاستِخَارَة، فَاقتَصَرتُ مِنَ الإِسنَادِ عَلَى ذِكرِ الصَّاحِبِ إِلَاّ أَن تَدعُوَ الحَاجَة إِلى ذِكرِ غَيرِهِ فَأَذكُرُهُ لِزِيَادَةِ فَائِدَة؛ وَحُصُولِ عَائِدَة، وَمِن تَكرَارِ المُتُونِ عَلَى أَكمِلِهَا مَسَاقًا، وَأَحسَنِهَا سِيَاقًا، مُلحِقًا بِهِ مَا فِي غَيرِهِ مِنَ الرواية؛ مُحَافِظًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَلاّ أُغفِلَ مِنهُ شَيئًا مِن مُهِمَّاتٍ الفَوَائِدِ؛
فَإِذَا قُلتُ: عَن أَبِي هُرَيرَةَ مَثَلاً، وَأَفرُغُ مِن مَسَاقِ مَتنِهِ، وَقُلتُ: وَفِي رِوَايَةَ؛ فَأَعنِي: أَنَّهُ عَنُ ذَلِكَ الصَّاحِبِ المُتَقَدِّمِ مِن غَيرِ ذَلِكَ الطَّرِيق. وَرُبَّمَا قَدّمتُ بَعضَ الأَحَادِيثِ وَأَخَّرَت حَيثَمَا إِلَيهِ اضطُرِرت؛ حِرصًا عَلَى ضَمِّ الشَّيءِ لِمُشَاكِلِهِ؛ وَتَقرِيبًا لَهُ عَلَى مُتَنَاوِلِه.
وَقَدِ اجتَهَدتُ؛ فِيمَا رَوَيتُ وَرَأَيتُ؛ وَوَجهَ الله الكَرِيمِ قَصَدتُّ، وَهُوَ المَسؤُولُ؛ فِي أَن يَنفَعَنِي بِهِ وَكُلَّ مَنِ اشتَغَلَ بِهِ، وَيُبَلِّغَنَا المَأمُول، وَأَن يَجعَلَنَا وَإِيَّاهُ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ؛ الهُدَاةِ المُهتَدِينَ، وَهُوَ المُستَعَانُ، وَعَلَيهِ التُّكُلَانُ، وَهُوَ حَسبُنَا وَنِعمَ الوَكِيلُ " .
...يتابع
التعديل الأخير بواسطة المشرف: