م
م/محسن
القرآن ليس الوحي الوحيد للنبي محمد
إن القول بأن السنة النبوية الصحيحة هي وحي من الله هو تعميم خاطئ والصواب أن بعض السنة النبوية هو وحي من الله وليس جميعها ، لأنه ثبت في القرآن اجتهاد النبي كما ذكره كثير من الائمة ، وثبت اختصاصه بالحكم والقضاء والفصل بين المسلمين ،
كما أن اختلاف الخبر وتناقض بعض الروايات الصحيحة عن النبي هو دليل على أن جميعها ليس وحيا ، فضلا عن اختلاف بعضها مع كتاب الله ، بل إن رفض المحدثين والفقهاء لبعض الخبر الصحيح السند من دلائل أن جميع السنة ليس وحيا ، لأنه لو كان جميعها وحيا لوقع هؤلاء الائمة في الكفر والعياذ بالله ، كما نقل عن بعض الصحابة رفضهم لما سمعوا من بعضهم عن خبر رسول الله مثل أم المؤمنين عائشة .
ثم من الخطأ أيضا أن يقيم بعض العلماء البرهان على ان السنّة هي وحي عن طريق السنة والأحاديث المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف تحاج خصمك بأمر هو ينكره ولا يعترف به ؟ والأجدر أن يكون الدليل والبرهان من الكتاب والذي يقرّ به الرافض دون غيره .
نصوص الكتاب تثبت أنواعا شتى من الوحي :
ثبت بالقرآن والعقل أن وحيا للأنبياء والمرسلين غير وحي الكتب والصحف والوحي الذي يتلى كالقرآن ، وهو وحي واجب فعله وليس من باب الندب والاستحباب.
فالقرآن ليس هو الوحي الوحيد المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت لغيره من الأنبياء والرسل كابراهيم وموسى من وحي ليس بكتاب .
كيف يكلم الله أنبيائه وطرق الوحي ؟ :
قال تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) (الشورى:51)
يقول ابن جرير في تفسير الآية : يقول تعالى ذكره: وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه إلا وحيا يوحي الله إليه كيف شاء، أو إلهاما وإما غيره (أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يقول: أو يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه، كما كلم موسى نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا) يقول: أو يرسل الله من ملائكته رسولا إما جبرائيل، وإما غيره (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) يقول: فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه ما يشاء، يعني: ما يشاء ربه أن يوحيه إليه من أمر ونهي، وغير ذلك من الرسالة والوحي"هـ.
فبين الله في هذه الآية كيف يكلم البشر ومنهم الأنبياء وما هي طرق الوحي ؟ كما ذكر ابن كثير في تفسير الآية قائلا" هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جنات الله عز وجل "
وأوضح فخر الدين الرازي البيان والتفسير فقال :
" وما كان لبشر وما صحّ لأحد من البشر أن يكلمه الله إلا على أحد ثلاثة أوجه : إما على الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام كما أوحى الله إلى أم موسى ، وإبراهيم عليه السلام في ذبح ولده، وعن مجاهد أوحى الله تعالى الزبور إلى داود عليه السلام في صدره،
وإما على أن يسمعه كلامه من غير واسطة مبلغ، وهذا أيضا وحي بدليل أنه تعالى أسمع موسى كلامه من غير واسطة مع أنه سماه وحيا، قوله تعالى: فاستمع لما يوحى [طه: 13] ،
وإما على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيبلغ ذلك الملك ذلك الوحي إلى الرسول البشري ،
فطريق الحصر أن يقال :وصول الوحي من الله إلى البشر إما أن يكون من غير واسطة مبلغ أو يكون بواسطة مبلغ،
وإذا كان الأول وهو أن يصل إليه وحي الله لا بواسطة شخص آخر فههنا إما أن يقال إنه لم يسمع عين كلام الله أو يسمعه، أما الأول وهو أنه وصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر وما سمع عين كلام الله فهو المراد بقوله إلا وحيا وأما الثاني وهو أنه وصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر ولكنه سمع عين كلام الله فهو المراد من قوله أو من وراء حجاب ،
وأما الثالث وهو أنه وصل إليه الوحي بواسطة شخص آخر فهو المراد بقوله:" أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء".
واعلم أن كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة وحي، إلا أنه تعالى خصص القسم الأول باسم الوحي، لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام فهو يقع دفعة فكان تخصيص لفظ الوحي به أولى فهذا هو الكلام في تمييز هذه الأقسام بعضها عن بعض" انتهى.
ثبت في القرآن أنّ لله وحي لرسله غير كتبه المنزلة كحديث الله لموسى وزكريا ومريم وابراهيم ورؤياه .وهو منطقي فليس في القرآن مثلا حديث عن الأمر باتخاذه المسجد الأقصى لقبلة المسلمين، فمن أين عرفوا ذلك ؟
وقصة أزواجه مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت " من أنبأك هذا ؟ " قال نبأني الخبير " .اذن فبالعقل والكتاب ان الله أوحى لرسله كلاما غير كلامه في القرآن.
آيات الكتاب في وحي الأنبياء :
قال تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (163-164) النساء
من رؤيا الأنبياء ما رآه إبراهيم عليه السلام من ذبح ابنه إسماعيل:
قال تعالى ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات (102)
والشاهد على ان الرؤيا وحي وأمر من الله قوله ابنه " يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ" ،
وكذلك شروع ابراهيم في ذبح ولده (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
وحي موسى عليه السلام :
قال تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) الأعراف
وقوله ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) الأعراف 160
وقوله ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145
أي التوراة .
وانفرد موسى عليه السلام بكلام الله مباشرة قال تعالى : {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ ِ إلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] .
هيئة الصلاة وعدد ركعاتها من وحي الله للرسل :
قال تعالى وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس.
قال مجاهد في تفسير الآية : واجعلوا بيوتكم قبلة لما خاف بنو إسرائيل من فرعون أن يقتلوا في الكنائس الجامعة أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرا ، وكذا قال قتادة والضحاك وقال سعيد بن جبير: واجعلوا بيوتكم قبلة أي يقابل بعضها بعضا.
وحي الله لهارون عليه السلام :
والآية أيضا فيها أن الله أوحى الى هارون أخو موسى وفي سورة القصص قال : وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص.
وحي الله الى يوسف عليه السلام وهو غلام في البئر :
قال تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) يوسف
الخروج للقتال في الوقعات والغزوات من وحي الله :
قال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) الشعراء ، أوحى الله لنبيه أن يخرج هو وقومه من مصر ليلا .
حديث الملائكة مع ابراهيم ومريم وزكريا :
قال تعالى ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ .يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43-42) آل عمران
رسل الله الى ابراهيم : وقال ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ .إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ . فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ. فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ . فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ . قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ . قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ . قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) الذاريات
وما سبق يوافق ماذكر من أخبار نزول جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في امامته له في أوقات الصلوات الخمس ، وتعليمه الاسلام والايمان والاحسان ، وأمره بالخروج الى قريظة لقتالهم بعد يوم الأحزاب .
نزول جبريل على مريم :
قال تعالى في مريم عليها السلام ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
ومن البديهي والعقلي أن ينزل جبريل على محمد في البداية بوحي قبل نزول القرآن ، فيعرفه فيه أنه جبريل رسول الله اليه وأنه اجتباه الله وجعله رسولا نبيا ، ثم ينزل ثانيا بوحي القرآن .
يتبع ....
إن القول بأن السنة النبوية الصحيحة هي وحي من الله هو تعميم خاطئ والصواب أن بعض السنة النبوية هو وحي من الله وليس جميعها ، لأنه ثبت في القرآن اجتهاد النبي كما ذكره كثير من الائمة ، وثبت اختصاصه بالحكم والقضاء والفصل بين المسلمين ،
كما أن اختلاف الخبر وتناقض بعض الروايات الصحيحة عن النبي هو دليل على أن جميعها ليس وحيا ، فضلا عن اختلاف بعضها مع كتاب الله ، بل إن رفض المحدثين والفقهاء لبعض الخبر الصحيح السند من دلائل أن جميع السنة ليس وحيا ، لأنه لو كان جميعها وحيا لوقع هؤلاء الائمة في الكفر والعياذ بالله ، كما نقل عن بعض الصحابة رفضهم لما سمعوا من بعضهم عن خبر رسول الله مثل أم المؤمنين عائشة .
ثم من الخطأ أيضا أن يقيم بعض العلماء البرهان على ان السنّة هي وحي عن طريق السنة والأحاديث المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف تحاج خصمك بأمر هو ينكره ولا يعترف به ؟ والأجدر أن يكون الدليل والبرهان من الكتاب والذي يقرّ به الرافض دون غيره .
نصوص الكتاب تثبت أنواعا شتى من الوحي :
ثبت بالقرآن والعقل أن وحيا للأنبياء والمرسلين غير وحي الكتب والصحف والوحي الذي يتلى كالقرآن ، وهو وحي واجب فعله وليس من باب الندب والاستحباب.
فالقرآن ليس هو الوحي الوحيد المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت لغيره من الأنبياء والرسل كابراهيم وموسى من وحي ليس بكتاب .
كيف يكلم الله أنبيائه وطرق الوحي ؟ :
قال تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) (الشورى:51)
يقول ابن جرير في تفسير الآية : يقول تعالى ذكره: وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه إلا وحيا يوحي الله إليه كيف شاء، أو إلهاما وإما غيره (أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يقول: أو يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه، كما كلم موسى نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا) يقول: أو يرسل الله من ملائكته رسولا إما جبرائيل، وإما غيره (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) يقول: فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه ما يشاء، يعني: ما يشاء ربه أن يوحيه إليه من أمر ونهي، وغير ذلك من الرسالة والوحي"هـ.
فبين الله في هذه الآية كيف يكلم البشر ومنهم الأنبياء وما هي طرق الوحي ؟ كما ذكر ابن كثير في تفسير الآية قائلا" هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جنات الله عز وجل "
وأوضح فخر الدين الرازي البيان والتفسير فقال :
" وما كان لبشر وما صحّ لأحد من البشر أن يكلمه الله إلا على أحد ثلاثة أوجه : إما على الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام كما أوحى الله إلى أم موسى ، وإبراهيم عليه السلام في ذبح ولده، وعن مجاهد أوحى الله تعالى الزبور إلى داود عليه السلام في صدره،
وإما على أن يسمعه كلامه من غير واسطة مبلغ، وهذا أيضا وحي بدليل أنه تعالى أسمع موسى كلامه من غير واسطة مع أنه سماه وحيا، قوله تعالى: فاستمع لما يوحى [طه: 13] ،
وإما على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيبلغ ذلك الملك ذلك الوحي إلى الرسول البشري ،
فطريق الحصر أن يقال :وصول الوحي من الله إلى البشر إما أن يكون من غير واسطة مبلغ أو يكون بواسطة مبلغ،
وإذا كان الأول وهو أن يصل إليه وحي الله لا بواسطة شخص آخر فههنا إما أن يقال إنه لم يسمع عين كلام الله أو يسمعه، أما الأول وهو أنه وصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر وما سمع عين كلام الله فهو المراد بقوله إلا وحيا وأما الثاني وهو أنه وصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر ولكنه سمع عين كلام الله فهو المراد من قوله أو من وراء حجاب ،
وأما الثالث وهو أنه وصل إليه الوحي بواسطة شخص آخر فهو المراد بقوله:" أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء".
واعلم أن كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة وحي، إلا أنه تعالى خصص القسم الأول باسم الوحي، لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام فهو يقع دفعة فكان تخصيص لفظ الوحي به أولى فهذا هو الكلام في تمييز هذه الأقسام بعضها عن بعض" انتهى.
ثبت في القرآن أنّ لله وحي لرسله غير كتبه المنزلة كحديث الله لموسى وزكريا ومريم وابراهيم ورؤياه .وهو منطقي فليس في القرآن مثلا حديث عن الأمر باتخاذه المسجد الأقصى لقبلة المسلمين، فمن أين عرفوا ذلك ؟
وقصة أزواجه مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت " من أنبأك هذا ؟ " قال نبأني الخبير " .اذن فبالعقل والكتاب ان الله أوحى لرسله كلاما غير كلامه في القرآن.
آيات الكتاب في وحي الأنبياء :
قال تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (163-164) النساء
من رؤيا الأنبياء ما رآه إبراهيم عليه السلام من ذبح ابنه إسماعيل:
قال تعالى ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات (102)
والشاهد على ان الرؤيا وحي وأمر من الله قوله ابنه " يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ" ،
وكذلك شروع ابراهيم في ذبح ولده (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
وحي موسى عليه السلام :
قال تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) الأعراف
وقوله ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) الأعراف 160
وقوله ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145
أي التوراة .
وانفرد موسى عليه السلام بكلام الله مباشرة قال تعالى : {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ ِ إلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] .
هيئة الصلاة وعدد ركعاتها من وحي الله للرسل :
قال تعالى وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس.
قال مجاهد في تفسير الآية : واجعلوا بيوتكم قبلة لما خاف بنو إسرائيل من فرعون أن يقتلوا في الكنائس الجامعة أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرا ، وكذا قال قتادة والضحاك وقال سعيد بن جبير: واجعلوا بيوتكم قبلة أي يقابل بعضها بعضا.
وحي الله لهارون عليه السلام :
والآية أيضا فيها أن الله أوحى الى هارون أخو موسى وفي سورة القصص قال : وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص.
وحي الله الى يوسف عليه السلام وهو غلام في البئر :
قال تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) يوسف
الخروج للقتال في الوقعات والغزوات من وحي الله :
قال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) الشعراء ، أوحى الله لنبيه أن يخرج هو وقومه من مصر ليلا .
حديث الملائكة مع ابراهيم ومريم وزكريا :
قال تعالى ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ .يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43-42) آل عمران
رسل الله الى ابراهيم : وقال ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ .إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ . فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ. فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ . فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ . قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ . قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ . قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) الذاريات
وما سبق يوافق ماذكر من أخبار نزول جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في امامته له في أوقات الصلوات الخمس ، وتعليمه الاسلام والايمان والاحسان ، وأمره بالخروج الى قريظة لقتالهم بعد يوم الأحزاب .
نزول جبريل على مريم :
قال تعالى في مريم عليها السلام ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
ومن البديهي والعقلي أن ينزل جبريل على محمد في البداية بوحي قبل نزول القرآن ، فيعرفه فيه أنه جبريل رسول الله اليه وأنه اجتباه الله وجعله رسولا نبيا ، ثم ينزل ثانيا بوحي القرآن .
يتبع ....
التعديل الأخير: