A
Admin
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على محمد رسول رب العالمين .
نعمة النظر والبصر من نعم الله على خلقه وعباده ، وهي من دعائم الحياة وبدونها ما استطاع الانسان اعمار الأرض ،
وبالنظر يتعلم الانسان ويدفع عن نفسه الشرور وتبنى الحضارات ، وبها أيضا يعرف الانسان ربه والنظر الى آياته في الكون،
ثم إن الله وضع لها الضوابط والحدود والمناهي .
معنى غض البصر :
أي كفّ البصر وخَفَضَه وكسره، ومنه قوله تعالى " واغضُض من صوتك " أَي اخْفِضِ الصوت، وأصل "غضّ" :غضض.ويعني ب"غضّ البصر ": غضه عن المحرمات ، فغضّ البصر ليس على إطلاقه أو عمومه ، فالمقصود تقييد الغض على المحرمات .
سُئِلَ الشِّبْلِيُّ عَنْ قوله: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ؟
فقال أبْصَار الرؤوس عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَبْصَارُ الْقُلُوبِ عَمَّا سِوَى اللَّه تَعَالَى.
غضّ البصر من فروض الله عز وجل :
قول الله تعالى في سورة النور (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ).وقال (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )
قال المفسرون : (مِنْ) هَاهُنَا لِلتَّبْعِيضِ، وَالْمُرَادُ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا يَحْرُمُ وَالِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ،
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ دَخَلَتْ " مِنْ " فِي (غَضِّ الْبَصَرِ) دُونَ حِفْظِ الْفَرْجِ ؟
قُلْنَا: دَلَالَةً عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّظَرِ أَوْسَعُ، لذلك أدخل كلمة" مِنْ " ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِمَ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى شُعُورِهِنَّ وَصُدُورِهِنَّ وَكَذَا الْجَوَارِي الْمُسْتَعْرِضَاتُ، وَأَمَّا أَمْرُ الْفَرْجِ فَمُضَيَّقٌ، وَكَفَاكَ فَرْقًا أَنْ أُبِيحَ النَّظَرُ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ وَحُظِرَ الْجِمَاعُ إِلَّا مَا استثنى مِنْهُ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ أَيْ يُنْقِصُوا مِنْ نَظَرِهِمْ ، فَالْبَصَرُ إِذَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ عَمَلِهِ فَهُوَ مَغْضُوضٌ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا مِنْ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ بَلْ هِيَ مِنْ صِلَةِ الْغَضِّ ، يُقَالُ غَضَضْتُ مِنْ فُلَانٍ إِذَا نَقَصْتُ مِنْ قَدْرِهِ.
قال القرطبي : الْبَصَرُ هُوَ الْبَابُ الْأَكْبَرُ إِلَى الْقَلْبِ، وَأَعْمَرُ طُرُقِ الْحَوَاسِّ إِلَيْهِ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ كَثُرَ السُّقُوطُ مِنْ جِهَتِهِ.
وَوَجَبَ التَّحْذِيرُ مِنْهُ، وَغَضُّهُ وَاجِبٌ عَنْ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَكُلِّ مَا يُخْشَى الْفِتْنَةُ مِنْ أَجْلِهِ .
نظر الحسد والعداوة ضد غضّ البصر :
" وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ "يقول جلّ ثناؤه: وإن يكاد الذين كفروا يا محمد يَنْفُذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك.
وقد قيل: إنه عُنِيَ بذلك: وإن يكان الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد، ويصرعونك، كما تقول العرب: كاد فلان يصرعني بشدة نظره إليّ، قالوا: وإنما كانت قريش عانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوه بالعين، فنظروا إليه ليعينوه، وقالوا: ما رأينا رجلا مثله، أو إنه لمجنون،
فقال الله لنبيه عند ذلك: وإن يكاد الذين كفروا ليرمونك بأبصارهم (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)
وفي الحديث ،قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " الْعَيْنُ حَقٌّ " . رواه مسلم والبخاري .
أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود أو هو من جملة ما تحقق كونه.
مدّ البصر ضد غض البصر :
(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) سورة طهيقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة، لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور. وقال مجاهد: أزواجا منهم، يعني الأغنياء
مرحلة ما قبل البصر والنظر :
أغلب الناس والعلماء يتحدثون عن النظر أنه البداية وهو الخطوة الأولى في الانزلاق الى المحرمات ،لكني أقول أن هناك خطوة ومرحلة قبلها ،وهي البداية الحقيقية ألا وهي تطلع النفس ،
فاذا دُرّبت النفس ورُيّضت ألَّا تتطلع الى المحرمات، وسُجِنت الشهوات ، فإنها لا تسعى الى النظر الى المنهيات والمحرمات،
ولا تدفع العينين والبصر وتسوقهما الى الاطلاع ، فاذا صادفهما فتنة، أَلجمت النفسُ البصرَ وكَفّتْهُ عمّا لا يحلّ له .
لكن إن صارت النفس متشوقة ومتشوفة لشيء ما ، فأنها ترسل إلى العينين والبصر وتأمرهما بالانفعال والعمل ،وترضى بفعلهما .
يتبع ...