م
م/محسن
مأكل ومشرب أهل النار
لكي تتصوروا بشاعة وفساد وقبح طعم طعام أهل النار وهيئته ورائحته ،
سنتأمل طعام الانسان في الأرض كيف كان ويكون ؟ وعلى النقيض والمقابل سيكون طعام أهل النار .
فمثلا الطعام في الأرض يكون من ماء عذب وهواء نقي وجو صحي ، وتربة من ذرات من طين ورمل وأملاح ومعادن . مع تواجد ضوء الشمس ،
لذلك يخرج النبات مخضرا ويانعا وأثمارا مختلف مذاقها والوانها وطعم حلو وحامض ونكهات مختلفة وذات روائح كريمة وعطرة ، ومكوناتها من ألياف وفيتامينات ونشويات وبروتينات .
وأما في المقابل فثمار وأشجار ونباتات النار التي ليس فيه ماء ، ولا طين وتربتها من صخور نارية ، وهواءها ليس فيه بخار الماء بل غازات كريهة ، وهي مثل البرك من سوائل قذرة منتنة سامّة حارّة ،
ليس فيها ضوء ولا ظلال ، فكيف يكون اذن الشجر التي يخرج منها و مما يتكون ثمرها ؟!!!
اضف الى ذلك حرارة تلك الثمار ، فكلما برد حرارة الثمرة كانت أطيب في المذاق والعكس ، فما بالك اذا قيل عنها أنها تغلي في البطون كغلي الحميم ؟!!! اللهم أعذنا من طعام أهل النار وعذابها .
طعام أهل النار ذو غصة
قال الله تعالى : ( إن لدينا أنكالا وجحيما . وطعاما ذا غصة وعذابا أليما )المزمل 12-13
(وطعاما ذا غصة) أي غير سائغ، يأخذ بالحلق وينشب فيه ، لا هو نازل ولا هو خارج ، وهو الغسلين والزقوم والضريع، قاله ابن عباس.
ومعناه أن الغصة صفة لكل أنواع طعام اهل النار ،
وسبب الغصة إما لمرارة الطعام وخبثه كما هو في الغسلين أو لأنه ذو شوك كما هو في الزقوم .
أو أن الغصة هي صفة لطعام مخصص .
الضريع من طعام أهل النار :
قال اللهُ تعالى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ [الغاشية: 6-7] .
قال ابنُ كَثيرٍ: (قَولُه: لَيْسَ لَهم طَعَامٌ إلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قال عليُّ بنُ أبي طَلحةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: شَجَرٌ مِن نارٍ.
وعن عكرمة، في قوله: " {ليس لهم طعام إلا من ضريع} [الغاشية: 6] قال: هي شجرة ذات شوك، لاطئة بالأرض، فإذا كان الربيع سمتها قريش الشبرق، فإذا هاج العود سمتها الضريع "
وقال البُخاريُّ: قال مُجاهِدٌ: الضَّريعُ نَبتٌ يُقالُ لَه: الشبرَقُ، وهو سُمٌّ. وقال سَعيدٌ عَن قَتادةَ: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ مِن شَرِّ الطَّعامِ وأبشَعِه وأخبَثِه.
وقَولُه: " لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ " يَعني : لا يَحصُلُ به انتفاع الجسد ونموه ولا دفع الشعور بالجوع وألمه .
قال ابن الجوزي :
فإن قيل : إنه قد أخبر في هذه الآية: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وفي مكان آخر وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ " فكيف الجمع بينهما ؟
فالجواب : أن النار دركات، وعلى قدر الذنوب تقع العقوبات، فمنهم من طَعامُهُ الزَّقُّوم، ومنهم مَنْ طعامه غِسْلين، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم مَنْ شَرَابُهُ الصَّديد. قاله ابن قتيبة
الزَّقُّوم من طعام أهل النار :
قال اللهُ تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان: 43-46] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقُولُ تعالى ذِكرُه: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ الَّتي أخبَرَ أنَّها تَنبُتُ في أصلِ الجَحيمِ، الَّتي جَعَلَها طَعامًا لِأهلِ الجَحيمِ، ثَمَرُها في الجَحيمِ طَعامُ الآثِمِ في الدُّنيا برَبِّه ، والأثيمُ: ذُو الإثمِ ، وعَنى به في هذا المَوضِعِ: الَّذي إثمُه الكُفْرُ برَبِّه دُونَ غيرِه مِنَ الآثامِ .
وقَولُه : كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ يَقُولُ تعالى ذِكرُه: إنَّ شَجَرةَ الزَّقُّومِ الَّتي جَعَلَ ثَمَرَتَها طَعامَ الكافِرِ في جَهَنَّم، كالرَّصاصِ أوِ الفِضَّةِ، أو ما يُذابُ في النَّارِ إذا أُذيبَ بها، فتَناهَت حَرارَتُه، وشدَّت حُمِّيَّتُه في شِدَّةِ السَّوادِ .
وقال اللهُ سُبحانَه: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ِ [الصافات: 62-66] .
قال البَغَويُّ: (أذلِكَ، أي: ذَلِكَ الَّذي ذُكِرَ لِأهلِ الجَنةِ، خيرٌ نُزُلًا أم شَجَرةُ الزَّقُّومِ، الَّتي هي نُزُلُ أهلِ النَّارِ، والزَّقُّومُ: ثَمَرةُ شَجَرةٍ خَبيثةٍ مُرَّةٍ كِريهةِ الطَّعمِ، يُكرَه أهلُ النَّارِ على تَناوُلِها، فهم يَتَزَقَّمُونَه على أشَدِّ كَراهيةٍ، ومِنه قَولُهم: تَزَقَّمَ الطَّعامَ: إذا تَناولَه على كُرِه ومَشَقَّةٍ
. إِنَّا جَعَلْنَاهَا فتِنْةً لِلظَّالِمِينَ : أي لِلكافِرينَ، وذَلِكَ أنَّهم قالُوا: كيفَ يَكُونُ في النَّارِ شَجَرةٌ والنَّارُ تَحْرِقُ الشَّجَرَ؟ وقال ابنُ الزِّبَعْرى لِصَناديدِ قُرَيشٍ: إنَّ مُحَمَّدًا يُخَوِّفُنا بالزَّقُّومِ، والزَّقُّومَ بلسانِ برْبَرٍ: الزُّبدُ والتَّمُرُ! فأدخَلَهم أبُو جَهلٍ بيتَه، وقال يا جاريةُ: زَقِّمينا، فأتَتْهمُ بالزُّبدِ والتَّمْرِ، فقال: تَزَقَّمُوا فهذا ما يُوعِدُكم به مُحَمَّدٌ! فقال اللهُ تعالى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخرُجُ في أَصْلِ الجَحِيمِ: قَعرِ النَّارِ، وقال الحَسَنُ: أصلُها في قَعرِ جَهَنَّم، وأغصانُها تَرتَفِعُ إلى دَرَكاتِها. طَلْعُهَا: ثَمَرُها سُمِّيَ طَلعًا لِطُلُوعِه.
كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ: قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهما: همُ الشَّياطينُ بأعيانِهم، شُبِّهَ بها لِقُبحِها، لِأنَّ النَّاسَ إذا وصَفُوا شيئًا بغايةِ القُبحِ قالُوا: كَأنَّه شيطانٌ، وإن كانَتِ الشَّياطينُ لا تُرى؛ لِأنَّ قُبحَ صُورَتِها مُتَصَوَّرٌ في النَّفسِ، وهذا مَعنى قَولِ ابنِ عَبَّاسٍ والقرظيِّ، وقال بَعضُهم: أرادَ بالشَّياطينِ الحيَّاتِ، والعَرَبُ تُسَمِّي الحيَّةَ القَبيحةَ المَنظَرِ شَيطانًا.
قوله ( فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ )
وظاهر لفظ القرآن يدل على أنها شجرة كريهة الطعم منتنة الرائحة شديدة الخشونة موصوفة بصفات كل من تناولها عظم من تناولها، ثم إنه تعالى يكره أهل النار على تناول بعض أجزائها.
قال الرازي : واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الشجرة وذكر صفتها بين أن الكفار لآكلون منها فمالئون منها البطون واعلم أن إقدامهم على ذلك الأكل يحتمل وجهين: الأول: أنهم أكلوا منها لشدة الجوع، فإن قيل وكيف يأكلونها مع نهاية خشونتها ونتنها ومرارةطعمها؟
قلنا إن الواقع في الضرر العظيم ربما استروح منه إلى ما يقاربه في الضرر، فإذا جوعهم الله الجوع الشديد فزعوا في إزالة ذلك الجوع إلى تناول هذا الشيء وإن كان بالصفة التي ذكرتموها.
الوجه الثاني: أن يقال الزبانية يكرهونهم على الأكل من تلك الشجرة تكميلا لعذابهم.
ومن طعامِ أهلِ النَّارِ الغِسْلِينُ :
قال اللهُ تعالى: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [الحاقة: 35-37] .
والغسلين فعلين من الغسل، فكأنه ينغسل من أبدانهم، وهو صديد أهل النار السائل من جروحهم وفروجهم، عن ابن عباس.
وقال الضحاك والربيع بن أنس: هو شجر يأكله أهل النار.
والغسل (بالكسر): ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره. الأخفش: ومنه الغسلين، وهو ما انغسل من لحوم أهل النار ودمائهم
_____________
يتبع بشراب أهل النار .....