م
م/محسن
من طبيعة النفس البشرية أنها دائمًا مولعة بتقليد الأقوى سواء كان في الخير أو الشرّ ،
وحيث إن الإمام هو الذي في يده زمام السلطة والتدبير، فإن نفوس الرعية تكون مولعة فيما يذهب إليه،
لذلك وجب عليه أن يكون قدوة حسنة لأتباعه حتى يسيروا على نهجه، ويقلِّدوه في سنَّته الحسنة،
لأنَّ عيونهم معقودة به وأبصارهم شاخصة إليه، فإن أي صغيرة تبدو منه تتجسم لدى العامّة، ويتخذون منها ثغرة ينفذون منها إلى الانحراف، وقلَّ أن يردَّهم بعد ذلك نصح أو تخويف.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لقد عففت فعفَّت رعيتك، ولو رتعت لرتعت) ثم قسم عمر ذلك في المسلمين
وقد روى البخاري رحمه الله عن أبي بكر رضي الله عنه في حديثه للأحمسية لما سألته: ما بقاء هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: (ما استقامت بكم أئمتكم)
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم)
وقال: (الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا) .
لذلك كان من سيرته رضي الله عنه - كما ذكر ذلك سالم بن عبد الله عن أبيه قال: (كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم لأهله فقال: لا أعلمن أحدًا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وينبغي أن يُعْرف أن أولي الأمر كالسوق ما نفق فيه جُلب إليه، هكذا قال عمر بن عبد العزيز، فإن نفق فيه الصدق والبرّ والعدل والأمانة جُلب إليه ذلك، وإن نفق فيه الكذب والجور والخيانة جُلب إليه ذلك) (٧) الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٣٣٦ - ٣٧٣
( من كتاب الموسوعة العقدية )
«عَفَفْتَ فَعَفُّوا ولو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا»، كلمات كافية وافية قالها علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب،
فأين أمتنا اليوم من الفاروق، والصدّيق، وذو النورين، وكريم الوجه، رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا،
إنها أمة نسيت مكارم الأخلاق التي بعث من أجلها رسولنا محمد، فهو الذي قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
كان كسرى الفرس مترفاً، ولما انتصر عليه العرب المسلمون هرب من عاصمته المدائن، تاركا وراءه كل ثروته من القناطير المقنطرة من ذهب وفضة وأحجار كريمة، وقعت كلها غنائم بيد المسلمين، ولما دخل سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش، قصر كسرى تلا قوله تعالى: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ».
دفعت تلك الغنائم إلى الخليفة عمر بن الخطاب، وكان من بينها تاج كسرى المرصع بالجواهر، وبساطه المنسوج بالذهب واللؤلؤ،
فقال عمر مادحا رجاله: إن قوماً بعثوا هذا لأمناء،
فقال له عليّ قولته المشهورة: يا أمير المؤمنين، عففتَ فعفّت الرعية، ولو رتعت لرتعوا»، وقد قال رجل لعمر: يا أمير المؤمنين، لو وسّعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى،
فقال له عمر: أتدري ما مَثَلي ومثل هؤلاء؟ كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا منهم مالاً وسلموه إلى واحد منهم ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟
وقال رضي الله عنه: «إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهُداتهم،
وقال: الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا»،
كان رضي الله عنه إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم أولاً لأهله، فقال: «لا أعلمنَّ أحداً وقع في شيء مما نهيتُ عنه إلا أضعفتُ عليه العقوبة».
وعندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة مضى من يومه يريد أن يعمل ويتكّسب من تجارته، فقالوا له: قد وليت أمرنا فافرغ لنا، أي تفرغ لإدارة شؤون البلاد،
فقال: قوتي وقوت عيالي،
قالوا: نفرض لك من بيت مال المسلمين،
فقدّر لنفسه أقل القليل من طعام وشراب،
وحصل أن سألته امرأة: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟
فرد عليها قائلا: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم.
فويل لأمة عم فيها الفساد، وانتشرت فيها الرشوة، وكثر فيها المنافقون، وأسندت مصالح البلاد الى الجهّال، وشرّع لها المزورون.
انتهى .
قلت :
ان الله جعل للسلطان سلطانا ليس للأنبياء ،
وان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لتدخل القبيلة كلها في الاسلام بمجرد اعتناق رئيس القبيلة لعقيدة الاسلام ، فإنا لله وانا اليه راجعون
ولكن هذا الدور يتضاءل أمام عظمة وشدة أثر الحاكم والسلطان في الرعية ،
فمثلا الابن أو الابنة تستطيع أن تقدم بلاغا للسلطات والشرطة ضد الأب ثم ذهاب ليمتثل امام الضابط والمحقق ،
وأيضا الابن أو الابنة تستطيع الاستعانة والضغط على أبيهما بواسطة احد الأقارب مثل الخال او العم او الجد ،
او واحد من الجيران للتحرر من أحد الأوامر والقيود ،
في المقابل فالسلطان أوامره نافذة وواجبة وعقوبة عصيانه سريعة منجزة ولا يمكن الفكاك منها .
لذلك فأمر السلطان في الناس جلل وتأثيره بالغ .
وحيث إن الإمام هو الذي في يده زمام السلطة والتدبير، فإن نفوس الرعية تكون مولعة فيما يذهب إليه،
لذلك وجب عليه أن يكون قدوة حسنة لأتباعه حتى يسيروا على نهجه، ويقلِّدوه في سنَّته الحسنة،
لأنَّ عيونهم معقودة به وأبصارهم شاخصة إليه، فإن أي صغيرة تبدو منه تتجسم لدى العامّة، ويتخذون منها ثغرة ينفذون منها إلى الانحراف، وقلَّ أن يردَّهم بعد ذلك نصح أو تخويف.
صلاح الراعي
ولذلك لما دخل قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قصر كسرى وهو يتلوا قوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ [الدخان: ٢٥ - ٢٨] أرسل سعد كل ما في قصر كسرى إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأخذ عمر رضي الله عنه يقلِّب هذه النفائس ويقول: إن قومًا أدُّوا هذا لأمناء.فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لقد عففت فعفَّت رعيتك، ولو رتعت لرتعت) ثم قسم عمر ذلك في المسلمين
وقد روى البخاري رحمه الله عن أبي بكر رضي الله عنه في حديثه للأحمسية لما سألته: ما بقاء هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: (ما استقامت بكم أئمتكم)
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم)
وقال: (الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا) .
لذلك كان من سيرته رضي الله عنه - كما ذكر ذلك سالم بن عبد الله عن أبيه قال: (كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم لأهله فقال: لا أعلمن أحدًا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وينبغي أن يُعْرف أن أولي الأمر كالسوق ما نفق فيه جُلب إليه، هكذا قال عمر بن عبد العزيز، فإن نفق فيه الصدق والبرّ والعدل والأمانة جُلب إليه ذلك، وإن نفق فيه الكذب والجور والخيانة جُلب إليه ذلك) (٧) الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٣٣٦ - ٣٧٣
( من كتاب الموسوعة العقدية )
فساد الرعية : من صيد الخاطر: " لو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا "
مقال : طلال عبدالكريم العرب«عَفَفْتَ فَعَفُّوا ولو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا»، كلمات كافية وافية قالها علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب،
فأين أمتنا اليوم من الفاروق، والصدّيق، وذو النورين، وكريم الوجه، رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا،
إنها أمة نسيت مكارم الأخلاق التي بعث من أجلها رسولنا محمد، فهو الذي قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
كان كسرى الفرس مترفاً، ولما انتصر عليه العرب المسلمون هرب من عاصمته المدائن، تاركا وراءه كل ثروته من القناطير المقنطرة من ذهب وفضة وأحجار كريمة، وقعت كلها غنائم بيد المسلمين، ولما دخل سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش، قصر كسرى تلا قوله تعالى: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ».
دفعت تلك الغنائم إلى الخليفة عمر بن الخطاب، وكان من بينها تاج كسرى المرصع بالجواهر، وبساطه المنسوج بالذهب واللؤلؤ،
فقال عمر مادحا رجاله: إن قوماً بعثوا هذا لأمناء،
فقال له عليّ قولته المشهورة: يا أمير المؤمنين، عففتَ فعفّت الرعية، ولو رتعت لرتعوا»، وقد قال رجل لعمر: يا أمير المؤمنين، لو وسّعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى،
فقال له عمر: أتدري ما مَثَلي ومثل هؤلاء؟ كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا منهم مالاً وسلموه إلى واحد منهم ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟
وقال رضي الله عنه: «إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهُداتهم،
وقال: الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا»،
كان رضي الله عنه إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم أولاً لأهله، فقال: «لا أعلمنَّ أحداً وقع في شيء مما نهيتُ عنه إلا أضعفتُ عليه العقوبة».
وعندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة مضى من يومه يريد أن يعمل ويتكّسب من تجارته، فقالوا له: قد وليت أمرنا فافرغ لنا، أي تفرغ لإدارة شؤون البلاد،
فقال: قوتي وقوت عيالي،
قالوا: نفرض لك من بيت مال المسلمين،
فقدّر لنفسه أقل القليل من طعام وشراب،
وحصل أن سألته امرأة: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟
فرد عليها قائلا: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم.
فويل لأمة عم فيها الفساد، وانتشرت فيها الرشوة، وكثر فيها المنافقون، وأسندت مصالح البلاد الى الجهّال، وشرّع لها المزورون.
انتهى .
قلت :
ان الله جعل للسلطان سلطانا ليس للأنبياء ،
وان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لتدخل القبيلة كلها في الاسلام بمجرد اعتناق رئيس القبيلة لعقيدة الاسلام ، فإنا لله وانا اليه راجعون
قدوة رب الأسرة
جميع الناس يعلم دور وتأثير رب الأسرة ورجل البيت في أهله وأولاده ،ولكن هذا الدور يتضاءل أمام عظمة وشدة أثر الحاكم والسلطان في الرعية ،
فمثلا الابن أو الابنة تستطيع أن تقدم بلاغا للسلطات والشرطة ضد الأب ثم ذهاب ليمتثل امام الضابط والمحقق ،
وأيضا الابن أو الابنة تستطيع الاستعانة والضغط على أبيهما بواسطة احد الأقارب مثل الخال او العم او الجد ،
او واحد من الجيران للتحرر من أحد الأوامر والقيود ،
في المقابل فالسلطان أوامره نافذة وواجبة وعقوبة عصيانه سريعة منجزة ولا يمكن الفكاك منها .
لذلك فأمر السلطان في الناس جلل وتأثيره بالغ .
التعديل الأخير: