م/محسن
قلب المنتدى
- إنضم
- Nov 16, 2021
- المشاركات
- 354
- مستوى التفاعل
- 4
- النقاط
- 18
مصدر شبهات الكفر والابتداع
في كتاب الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (ت ٥٤٨هـ)
وهو كتاب يتحدث عن الطوائف الإسلامية باختلافها مثل الخوارج والشيعة والمعتزلة ، وكذلك يتحدث عن الأديان السماوية ويتحدث عن بعض طوائفها،
كما يتحدث أيضاً عن الديانات والاعتقادات الوثنية وما قبل الإسلام عند العرب، وكذلك عن الأديان والفلاسفة ، ويتحدث عن الأديان والاعتقادات لدى حكماء الهند وغيرها.
لذلك فالكتاب يعتبر دائرة معارف مختصرة للأديان والمذاهب والفرق ، بل للآراء والفلسفة .
ذكر الشهرستاني خمس مقدمات :
المقدمة الأولى: في بيان أقسام أهل العالم جملة مرسلة .
المقدمة الثانية: في تعيين قانون يبنى عليه تعديد الفرق الإسلامية.
المقدمة الثالثة: في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة، ومن مصدرها، ومن مظهرها ؟
المقدمة الرابعة: في بيان أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية، وكيفية انشعابها، ومن مصدرها، ومن مظهرها؟
المقدمة الخامسة: في بيان السبب الذي أوجب ترتيب هذا الكتاب على طريق الحساب.
وموضوعنا واقع في المقدمتين الرابعة والخامسة وكيفية وقوع شبهات أديان الضلال وفرق الابتداع ؟
في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة، ومن مصدرها في الأول ومن مظهرها في الآخر :
قال الشهرستاني : اعلم أن أول شبهة وقعت في الخليقة : شبهة إبليس لعنه الله، ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص، واختياره الهوى في معارضة الأمر، واستكباره بالمادة التي خلق منها وهي النار على مادة آدم عليه السلام وهي الطين.
وانشعبت من هذه الشبهة سبع شبهات، وسارت في الخليقة، وسرت في أذهان الناس حتى صارت مذاهب بدعة وضلالة، وتلك الشبهات مسطورة في شرح الأناجيل الأربعة: إنجيل لوقا، ومرقس، ويوحنا، ومتى، ومذكورة في التوراة متفرقة على شكل مناظرات بينه وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود، والامتناع منه.
قال كما نقل عنه ، إني سلمت أن الباري تعالى إلهي وإله الخلق، عالم قادر، ولا يسأل عن قدرته ومشيئته، وأنه مهما أراد شيئا قال له كن فيكون، وهو حكيم، إلا أنه يتوجه على مساق حكمته أسئلة،
قالت الملائكة: ما هي؟ وكم هي؟
قال لعنه الله: سبعة.
الأول منها: أنه قد علم قبل خلقي أي شيء يصدر عني ويحصل مني، فلم خلقني أولا؟ وما الحكمة في خلقه إياي؟
والثاني: إذ خلقني على مقتضى إرادته ومشيئته؛ فلم كلفني بمعرفته وطاعته؟ وما الحكمة في هذا التكليف بعد أن لا ينتفع بطاعة، ولا يتضرر بمعصية؟
والثالث: إذ خلقني وكلفني فالتزمت تكليفه بالمعرفة والطاعة فعرفت وأطعت، فلم كلفني بطاعة آدم والسجود له؟ وما الحكمة في هذا التكليف على الخصوص بعد أن لا يزيد ذلك في معرفتي وطاعتي إياه؟
والرابع: إذ خلقني وكلفني على الإطلاق، وكلفني بهذا التكليف على الخصوص، فإذا لم أسجد لآدم، فلم لعنني وأخرجني من الجنة؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لم أرتكب قبيحا إلا قولي: لا أسجد إلا لك؟
والخامس: إذ خلقني وكلفني مطلقا، وخصوصا؛ فلم أطع فلعنني وطردني، فلم طرقني(*)إلى آدم حتى دخلت الجنة ثانيا وغررته بوسوستي، فأكل من الشجرة المنهي عنها، وأخرجه من الجنة معي؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو منعني من دخول الجنة لاستراح مني آدم، وبقي خالدا فيها
(*) طرقني : جعل لي طريقا. والمراد أنت الذي جعلت لي الطريق إليه .
والسادس: إذ خلقني وكلفني عموما، وخصوصا، ولعنني، ثم طرقني إلى الجنة، وكانت الخصومة بيني وبين آدم؛ فلم سلطني على أولاده حتى أراهم من حيث لا يرونني، وتؤثر فيهم وسوستي ولا يؤثر في حولهم وقوتهم، وقدرتهم واستطاعتهم؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو خلقهم على الفطرة دون من يحتالهم عنها فيعيشوا طاهرين سامعين مطيعين، كان أحرى بهم، وأليق بالحكمة؟
والسابع: سلمت هذا كله: خلقني وكلفني مطلقا ومقيدا، وإذ لم أطع لعنني وطردني وإذ أردت دخول الجنة مكنني وطرقني، وإذ عملت عملي أخرجني ثم سلطني على بني آدم، فلم إذ استمهلته أمهلني، فقلت: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ، {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}.
وما الحكمة في ذلك بعد أن لو أهلكني في الحال استراح آدم والخلق مني وما بقي شر ما في العالم؟ أليس بقاء العالم على نظام الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟!
قال: فهذه حجتي على ما ادعيته في كل مسألة.
قال شارح الإنجيل :
فأوحى الله تعالى إلى الملائكة عليهم السلام، قولوا له: إنك في تسليمك الأول أني إلهك وإله الخلق غير صادق ولا مخلص، إذ لو صدقت أني إله العالمين ما احتكمت علي بلم، فأنا الله الذي لا إله إلا أنا، لا أسأل عما أفعل، والخلق مسئولون. وهذا الذي ذكرته مذكور في التوراة، ومسطور في الإنجيل على الوجه الذي ذكرته.
وكنت برهة من الزمان أتفكر وأقول: من المعلوم الذي لا مرية فيه أن كل شبهة وقعت لبني آدم؛ فإنما وقعت من إضلال الشيطان الرجيم ووساوسه، ونشأت من شبهاته.
وإذا كانت الشبهات محصورة في سبع، عادت كبار البدع والضلالات إلى سبع. ولا يجوز أن تعدو شبهات فرق الزيغ والكفر والضلال هذه الشبهات وإن اختلفت العبارات، وتباينت الطرق، فإنها بالنسبة إلى أنواع الضلالات كالبذور، وترجع جملتها إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالحق، وإلى الجنوح إلى الهوى في مقابلة النص.
هذا، ومن جادل نوحا، وهودا، وصالحا، وإبراهيم، ولوطا، وشعيبا، وموسى، وعيسى، ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين، كلهم نسجوا على منوال اللعين الأول في إظهار شبهاته.
وحاصلها يرجع إلى دفع التكليف عن أنفسهم، وجحد أصحاب الشرائع والتكاليف بأسرهم، إذ لا فرق بين قولهم {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} وبين قوله: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} وعن هذا صار مفصل الخلاف، ومحز(*) الافتراق ما هو في قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} فبين أن المانع من الإيمان هو هذا المعنى، كما قال المتقدم في الأول: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} وقال المتأخر من ذريته كما قال المتقدم: {أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} وكذلك لو تعقبنا أقوال المتقدمين منهم لوجدناها مطابقة لأقوال المتأخرين {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}
(*) محز : أصل الحز القطع، والمحز آلة القطع.
فاللعين الأول لما حكم العقل على من لا يحكم عليه العقل، لزمه أن يجري حكم الخالق في الخلق، أو حكم الخلق في الخالق. والأول غلو، والثاني تقصير.
فثار من الشبهة الأولى مذاهب: الحلولية، والتناسخية ، والمشبهة، والغلاة من الروافض، حيث غلوا في حق شخص من الأشخاص حتى وصفوه بأوصاف الإله.
وثار من الشبهة الثانية مذاهب: القدرية، والجبرية، والمجسمة، حيث قصروا في وصفه تعالى حتى وصفوه بصفات المخلوقين.
فالمعتزلة مشبهة الأفعال، والمشبهة حلولية الصفات، وكل واحد منهم أعور بأي عينيه شاء،
فإن من قال: إنما يحسن منه ما يحسن منا، ويقبح منه ما يقبح منا، فقد شبه الخالق بالخلق؛ ومن قال: يوصف الباري تعالى بما يوصف به الخلق، أو يوصف الخلق بما يوصف به الباري تعالى، فقد اعتزل عن الحق.
وسنخ القدرية طلب العلة في كل شيء، وذاك من سنخ اللعين الأول؛ إذ طلب العلة في الخلق أولا، والحكمة في التكليف ثانيا، والفائدة في تكليف السجود لآدم عليه السلام ثالثا.
وعنه نشأ مذهب الخوارج، إذ لا فرق بين قولهم: لا حكم إلا الله ولا نحكم الرجال، وبين قوله: لا أسجد إلا لك، {أَأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} وبالجملة "كلا طرفي قصد الأمور ذميم" فالمعتزلة غلوا في التوحيد بزعمهم حتى وصلوا إلى التعطيل بنفي الصفات. والمشبهة قصروا حتى وصفوا الخالق بصفات الأجسام. والروافض غلوا في النبوة والإمامة حتى وصلوا إلى الحلول. والخوارج قصروا حتى نفوا تحكيم الرجال.
وأنت ترى -إذا نظرت- أن هذه الشبهات كلها ناشئة من شبهات اللعين الأول وتلك في الأول مصدرها، وهذه في الآخرة مظهرها. وإليه أشار التنزيل في قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
وشبه النبي صلى الله عليه وسلم كل فرقة ضالة من هذه الأمة بأمة ضالة من الأمم السالفة، فقال: "القدرية مجوس هذه الأمة" وقال: "المشبهة يهود هذه الأمة، والروافض نصاراها" وقال عليه الصلاة والسلام جملة: "لتسلكن سبل الأمم قبلكم حذو القذة بالقذة ، والنعل بالنعل، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".
يتبع ...
في بيان أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية، وكيفية انشعابها
التعديل الأخير بواسطة المشرف: