عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: (جمدان)، فقال: ((سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون))،...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: (جمدان)، فقال: ((سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون))، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات))؛ رواه مسلم
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: ينبغي للمسلم أن يكون مرتبطًا بالله سبحانه وتعالى في جميع أحواله، ومن أعلى سبل الارتباط به وأهمها: ذكره سبحانه وتعالى، والإكثار من ذكر الله تعالى عنوان المحبة؛ فإن من أحب شيئًا أكثر من ذكره، وذكر الله تعالى هو: ما يجري على اللسان والقلب من تسبيح الله تعالى وحمده والثناء عليه وقراءة كتابه ودعائه، والتفكر في آلائه ومخلوقاته، كما يدخل فيه: تنفيذ أوامره من الصلاة والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى، يقول الإمام النووي - رحمه الله -: اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكرٌ لله تعالى، كذا قال سعيد بن جبير وغيره من العلماء.
الفائدة الثانية: ذكر الله تعالى من أعظم أسباب طمأنينة النفس وانشراح الصدر، فمن رحمة الله بعباده ولطفه بهم أن أمرهم بالإكثار من ذكره؛ لينالوا هذه الفائدة العظيمة؛ مع غناه سبحانه عن جميع أعمالهم، فهو يأمرنا بذلك؛ لمحبته له، وليتفضل علينا بعطائه وفضله، ولعلمه بحاجتنا إليه؛ فإن النفس لا تحصل لها الطمأنينة الكاملة إلا بالقرب من خالقها والاتصال به؛ ولهذا أمرنا أن نكون من الذاكرين لله تعالى ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، وقال سبحانه: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205].
الفائدة الثالثة: يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذين يكثرون من ذكر الله تعالى هم السابقون، وقد وعد الله السابقين بالثواب الجزيل والنعيم المقيم؛ فقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: 10 - 12]، وهذا يدعو المسلم الحريص إلى الإكثار من ذكر الله تعالى بجميع أنواعه.
فالذكر حصنٌ حصين، وحاجزٌ منيع من الآفات التي تصيب الإنسان من السحر والمس والعين؛ يقول ابن القيم رحمه الله في الطب النبوي: "لو كُشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأرواح الخبيثة"؛ يقصد ما يصيب الإنسان من أذى الجنِّ والشياطين، وقد قال هذا الكلام في القرن الثامن، فماذا عسى أن يقول في زمننا هذا؟ في وقت كثرت فيه الملهيات، وقلَّ فيه الذكر، وفي وقت يسلم فيه الإمام من الصلاة فترى من يتسابق إلى الخروج من المسجد تاركين أذكار الصلاة – إلا من رحم الله – وإن من ثوابها الجزيل قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: ((من سبَّح اللهَ دُبر كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحَمِد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)).
يروي لنا جابر رضي الله عنه عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا دخل الرجلُ بيتَه فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء))؛ [مسلم].
ومما يجدر التنبيه إليه أن من الناس من يحافظ على هذه الأذكار، ثم بعد ذلك يصيبه بعض الأذى والمكروه من الآفات من عينٍ ونحوِها، فأين يقع الخلل؟ فالجواب: أولًا: قد يكون السبب في ضعف التوكل على الله والتعلقِ بالله تعالى، وضعف اليقين بوعده وحفظه.
ثانيًا: ربما يكون السبب أيضًا في عدم تواطؤ القلب مع اللسان، فلا بد من تدبر ما يُذْكَر، وتَعَقُّل ما يُقال؛ حتى يكون الحفظ تامًّا للعبد بإذن الله تعالى.
ويجدر بنا تذكير الآباء بتحصين أبنائهم؛ لأن الأطفال لا يحسنون الأذكار ولا حفظها، ولا معرفة معناها، وعلينا أن نقتدي بنبينا صلى الله عليه وسلم في تعويذِهِ الحسنَ والحسين بقوله: ((أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة))؛ [المسند، وأبو داود، وصححه أحمد شاكر]، ويقول: ((إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق)).
عباد الله، هناك أحاديث وردت بفضل أذكار مخصوصة؛ فمنها: 1– قوله عليه الصلاة والسلام: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ [البخاري، ومسلم].
2– قوله: ((لأن أقول: سبحـان الله، والحمـد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبـر أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس))؛ [مسلم].
3– وقال عليه الصلاة والسلام: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حُطت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر))؛ [صحيح الترمذي].
4– وقال لأصحابه: ((أيعجز أحدُكم أن يكسبَ كلَّ يومٍ ألف حسنة، فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدُنا ألفَ حسنـة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة فيكـتب له ألف حسنة أو يحَـط عنه ألف خطيئة))؛ [صحيح الترمذي].
5– ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ عشر مرار، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل))؛ [مسلم].
6– وفي رواية من قال نفس الذكر السابق مائة مرة: ((كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذاك))؛ [البخاري، ومسلم].
7– وقال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [البخاري، ومسلم].