ما الجديد

الأنساب

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع yasma
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
مزيد من الموضوعات ل yasma

yasma

مراقب المنتدى
إنضم
Nov 16, 2021
المشاركات
2,877

images (9).webp

الأنساب


تعريف علم الأنساب:
هو علم مهتمٌّ بأنساب القبائل والعشائر والأُسَر المحلية، يُعرف منه أنساب الناس، والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في نسب شخص ما، ويعتبر اهتمام الإسلام بحفظ الأنساب من الكليات الأساسية التي جاءت الشريعة الإسلامية بالحفاظ عليها، وقد أُشير له في القرآن؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

كان إعجاب كل قبيلة بفضائلها وتفضيل قومها على غيرهم فاشيًا في الجاهلية كما هو معروف في أشعارهم، وكانوا يحقِرون بعض القبائل، ومن الطرائف أنه سُئِلَ أعرابيٌّ فقيل له: أتحب أن تدخل الجنة وأنت باهليٌّ - إحدى القبائل التي كانوا يحقرونها - فأطرق حينًا ثم قال: على شرط ألَّا يعلم أهل الجنة أني باهلي.

وكان ذلك يجر إلى الإِحَنِ والتقاتُل، وتتفرع عليه السخرية واللمز، والنَّبز والظن، والتجسس والاغتياب، فجاءت هذه الآية لتأديب المؤمنين على اجتناب ما كان في الجاهلية؛ لاقتلاع جذوره الباقية في النفوس بسبب اختلاط طبقات المؤمنين بعد سنة الوفود؛ إذ كثُر الداخلون في الإسلام.

وجاء النداء بـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [الحجرات: 13] دون المؤمنين للتذكير بأن أصلهم واحد؛ أي إنهم في الخِلْقَةِ سواء؛ ليتوسل بذلك إلى أن التفاضل والتفاخر إنما يكون بالفضائل، وإلى أن التفاضل في الإسلام بزيادة التقوى؛ فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [الحجرات: 13].

والمراد بالذكر والأنثى: آدم وحواء أبوا البشر؛ بقرينة قوله: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13].

ويؤيِّد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنتم بنو آدم، وآدم من تراب))، والشعوب: جمع شعب؛ وهو مجمع القبائل التي ترجع إلى جدٍّ واحد من أمة مخصوصة، وقد يُسمَّى جِذمًا؛ فالأمة العربية تنقسم إلى شعوب كثيرة فمُضَرُ شعب، وربيعةُ شعب، وأنمار شعب، وإياد شعب، وتجمعها الأمة العربية المستعرِبة، وهي عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام، وحمير، وسبأ، والأزد شعوب من أمة قحطان، وكنانة وقيس وتميم قبائل من شعب مضر، ومُذحج وكندة قبيلتان من شعب سبأ، والأوس والخزرج قبيلتان من شعب الأزد.

وتحت القبيلة العَمَارةُ؛ مثل: قريش من كنانة، وتحت العمارة البطن؛ مثل: قُصِيٍّ من قريش، وتحت البطن الفَخِذ؛ مثل: هاشم وأُمَيَّة من قُصِيٍّ، وتحت الفَخِذ الفصيلة؛ مثل: أبي طالب والعباس وأبي سفيان.

وجُعِلت علة جَعْلِ الله إياه شعوبًا وقبائل وحكمته من هذا الجعل أن يتعارف الناس؛ أي: يعرِف بعضهم بعضًا.

والتعارف يحصل طبقة بعد طبقة متدرجًا إلى الأعلى، فالعائلة الواحدة متعارفون، والعشيرة متعارفون من عائلات؛ إذ لا يخلون عن انتساب ومصاهرة، وهكذا تتعارف العشائر مع البطون، والبطون مع العمائر، والعمائر مع القبائل، والقبائل مع الشعوب؛ لأن كل درجة تأتلف من مجموع الدرجات التي دونها، فكان هذا التقسيم الذي ألهمهم الله إياه نظامًا مُحكمًا لربط أواصرهم دون مشقَّةٍ ولا تعذُّرٍ.

ومن أشعارهم قول الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب:
مهلًا بني عمنا مهلًا موالينا
space.gif

لا تنبُشوا بيننا ما كان مدفونًا
space.gif

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم
space.gif

وأن نكفَّ الأذى عنكم وتُؤذونا
space.gif


وقول العقيلي وحاربه بنو عمه فقتل منهم:
ونبكي حين نقتلكم عليكم
space.gif

ونقتلكم كأنَّا لا نبالي
space.gif


space.gif

space.gif

وأقوالهم في هذا لا تُحصر، عدا ما دون ذلك من التفاخر والتطاول والسخرية، واللمز والنَّبْزِ، وسوء الظن والغيبة.

وقد جَبَرَ الله صدع العرب بالإسلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، فردَّهم إلى الفطرة التي فطرهم عليها، وكذلك تصاريف الدين الإسلامي ترجع بالناس إلى الفطرة السليمة.

ولما أمر الله تعالى المؤمنين بأن يكونوا إخوة، وأن يُصلحوا بين الطوائف المتقاتلة، ونهاهم عما يَثْلِم الأُخوة وما يغين على نورها في نفوسهم؛ من السخرية واللمز والتنابز، والظن السوء والتجسس والغيبة - ذكَّرهم بأصل الأُخوة في الأنساب التي أكدتها أُخوة الإسلام، ووحدة الاعتقاد؛ ليكون ذلك التذكير عونًا على تبصُّرهم في حالهم، ولما كانت السخرية واللمز والتنابز مما يحمل عليه التنافسُ بين الأفراد والقبائل، جَمَعَ الله ذلك كله في هذه الموعظة الحكيمة، التي تدل على النداء عليهم بأنهم عمَدوا إلى هذا التشعيب الذي وضعته الحكمة الإلهية، فاستعملوه في فاسد لوازمه، وأهملوا صالحَ ما جُعِلَ له؛ بقوله: ﴿ لِتَعَارَفُوا ﴾، ثم أتْبَعُه بقوله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]؛ أي: فإن تنافستم فتنافسوا في التقوى.

ومن معنى الآية ما خطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إذ قال: ((يا أيها الناس، ألَا إن ربكم واحد، وأن أباكم واحد، لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجمي على عربيٍّ، ولا لأسود على أحمرَ، ولا لأحمر على أسود، إلا بالتقوى)).

وروى الترمذي في تفسير هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما الناس مؤمن تقيٌّ، أو فاجر شقيٌّ، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب)).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا من أنسابكم ما تصِلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مَثراة في المال، مَنسأة في الأثر))؛ [رواه الترمذي وأحمد]، وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا من أنسابكم))؛ أي: من أسماء آبائكم وأجدادكم، وأعمامكم وأخوالكم، وسائر أقاربكم، ((ما تصِلون به أرحامكم))؛ أي: تعلَّموا القَدرَ الذي يمكِّنكم من التقرُّب لأرحامكم، والشفقة عليهم، والإحسان إليهم؛ ((فإن صلة الرحم محبة في الأهل))؛ أي: إنها مَظِنَّة للحب وسبب للود بين الأقارب، ((مَثراة في المال))؛ أي: سبب لكثرة المال، ((منسأة في الأثر))؛ أي: سبب لتأخير الأجل وموجِب لزيادة العمر؛ بالبركة فيه، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن الضياع في غير ذلك.

وفي الحديث: أن معرفة الأنساب تُعين على صلة الأرحام.

وفيه: دلالة على أن الصلة تتعلق بذوي الأرحام كلها، لا بالوالدين فقط.

وقد أمرنا الله بحفظ الأنساب؛ لِما له من أهمية كبرى تعود على الولد وعلى والديه وأسرته بصفة عامة؛ فبالنسبة للولد: يدفع ثبوت النسب عنه التعرض للعار والضياع، وبالنسبة للأم: يحميها ثبوت نسب ولدها من الفضيحة والرمي بالسوء، وبالنسبة للأب: يحفظ ثبوت النسب ولده أن يضيع أو أن يُنسَب إلى غيره.

وقد كان من الصحابة رضوان الله عليهم مَن له علم بأنساب العرب وأيامها وأخبارها؛ مثل: أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أنسب العرب، وقد أخذ النسب عنه عددٌ من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد علَّق الشيخ ابن باز رحمه الله على حديث: ((اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب، والنِّياحة على الميت)).

فقال: هذا حديث صحيح، رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفسر سماحته الطعن في النسب بأنه: التنقص لأنساب الناس وعيبها، على قصد الاحتقار لهم والذم.

وقال سماحته: أمَّا إن كان من باب الخبر، فلان من بني تميم، ومن أوصافهم كذا، ومن قحطان، أو من قريش، أو من بني هاشم، يخبر عن أوصافهم من غير طعن في أنسابهم، فذلك ليس من الطعن في الأنساب.

فاعلم - أخي المسلم - أن التفاخر بالأنساب محرَّم، وهو من خِصال الجاهلية المذمومة، وقد جاء الإسلام بإبطاله والنهي عنه؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ [الحجرات: 11]؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (مختصرًا): الطعن في الأنساب، الطعن بمعنى العيب؛ لأن العيب وخز معنويٌّ، كوخز الطاعون في الجسد؛ ولهذا سُمِّيَ العيب طعنًا، والأنساب جمع نسب، وما هو النسب؟ النسب أصل الإنسان وقرابته، فيطعن في نسبه، فيقول: أنت خضيري ما لك أصل!

وعلى كل حال من يطعن في نسب إنسان؛ لأنه ليس من القبائل المعروفة في العرب، داخل في هذا الحديث، فلا يجوز الطعن في النسب، والإنسان لا يشرُف بنسبه.

صحيح أن شرف النسب مع التقوى أنه نور على نور، لكن إذا لم يكن عنده تقوى، فماذا ينفعه نسبه؟ لا ينفعه شيء؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ﴾ [الحجرات: 13]، لأي شيء؟ لتفاخروا؟ ﴿ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13] فقط ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، أما مسألة أن هذا خضيري وهذا قبيلي، هذا ليس بصحيح، ولا شك أنا لا أقول ولا أنكر أن للنسب أثرًا في شرف الإنسان؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن الله اصطفى إسماعيلَ، واصطفى من بني إسماعيل كنانةَ، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم))، ولا شكَّ كما قال شيخ الإسلام: إن العرب أفضل من حيث الجنس من غيرهم، أفضل وأكمل وأعقل؛ ولهذا اختار الله عز وجل أن يكون رسوله منهم، الرسول منهم، ولكن ليس معنى ذلك أننا نجعل هذا الأمر يطغى على الفضل الحقيقي؛ وهو فضل الإيمان والتقوى.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

تفسير ابن عاشور- موقع الدرر السنية.
أهل الحديث والأثر - شرح كتاب التوحيد لابن عثيمين.
 
عودة
أعلى